اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي".
*****
إعداد:الشرح
الأديب والشاعر الجريح
علاء محروس مرسي
******************
هذا ما دفع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى السؤال عن الدعاء المناسب لتدعو به في ليلة القدر، أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن بريدة قال: "قالت عائشة: يا نبي الله, أرأيتَ إن وافقتُ ليلة القدر ما أقول؟ قال: تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". وفي رواية الترمذي عن عائشة رضي الله عنها: "قالت: قلت يا رسول الله, أرأيتَ إن علمتُ أيُّ ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني" قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .
نلاحظ هنا بوضوح هاتين الصفتين، ففيه الثناء اللائق بالله عز وجل، مع مناسبة الصفتين المذكورتين من صفات الله تعالى لمعنى الدعاء (عفو كريم)، حيث يتم التوسل بهما إلى الله تعالى في طلب العفو، وفيه شمول الدعاء للمعاني المطلوبة في أوجز لفظ، وهذا بيان ذلك:
شرح معاني دعاء ليلة القدر:
(اللهم): كلمة تستعمل في النـداء مثل يا الله، و قد تجيء بعدها (إلا) فتكون للإيذان بندرة المستثنى مثل (اللهم إلا أن يكون كذا)، أو للدلالة على تيقن المجيب للجواب المقترن به مثل (اللهم نعم). . "وقد يُجمع بين الميم المشددة وحرف النداء كقول أبي خراش الهُذلي:
إني إذا ما حَـــدَثٌ ألمّا دعوت يا اللهمّ يا اللهمّا"
(عَـفُوٌّ): ورد اسم الله تعالى (العفُوّ) في القرآن الكريم خمس مرات، أربع مرات مع الاسم (الغفور)، ومرة مع الاسم (القدير) ، ومن ذلك قوله تعالى: (... فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً) [النساء : 43]. وقوله تعالى: (فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً ) [النساء : 99].
قال في لسان العرب: "في أَسماء الله تعالى: العَفُوُّ ، وهو فَعُولٌ من العَفْوِ، وهو التَّجاوُزُ عن الذنب وتَرْكُ العِقاب عليه. وأَصلُه المَحْوُ والطَّمْس".
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: "والله تعالى حليم عفو، فله الحلم الكامل، وله العفو الشامل، ومتعلق هذين الوصفين العظيمين معصية العاصين، وظلم المجرمين، فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة، وحلمه تعالى يقتضي إمهال العاصين، وعدم معاجلتهم ليتوبوا، وعفوه يقتضي مغفرة ما صدر منهم من الذنوب خصوصاً إذا أتوا بأسباب المغفرة من الاستغفار والتوبة والإيمان والأعمال الصالحة، وحلمه وسع السماوات والأرض. فلولا عفوه ما ترك على ظهرها من دابة..." .
وهذا الاسم الكريم (العفُوّ) يدل على المبالغـة في العَـفْو، قال ابن منظور: "وهو من أَبْنِية المُبالَغـةِ. يقال: عَفا يَعْفُو عَفْواً فهو عافٍ و عَـفُوٌّ "، فالله عز وجل كثير العفو عن عباده، فهو سبحانه يعفو عنهم ابتداء دون أن يرتكبوا ذنوباً، فيرفع عنهم الحرج، ويشرع لهم الرخص، فكلمة (العفو) تأتي بمعنى إسقاط المؤاخذة وإن لم يكن ذنب، قال السيوطي في الحاوي: "وقد نص غير واحد على أن المغفرة والعفو والتوبة جاءت في القرآن والسنة في معرض الإسقاط والترخيص وإن لم يكن ذنب، ومنه قوله تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم)، "عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق"، (فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم) ، (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم) أي رخص لكم...".
كما أنه سبحانه وتعالى يعفو عن سيئات عباده وخطاياهم التي تابوا منها، كما قال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى : 25]، وقال عز وجل: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى : 30]، قال في تفسير الجلالين: ( (ويعفو عن كثير): منها فلا يجازي عليه، وهو تعالى أكرم من أن يثني الجزاء في الآخرة. أما غير المذنبين فما يصيبهم في الدنيا لرفع درجاتهم في الآخرة).
(كريم) وردت هذه الصفة في بعض روايات الحديث، و (الكريم) من أسماء الله تعالى وصفاته، ورد في القرآن الكريم في موضـعين، في قوله تعالى: (... وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل : 40]، وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار : 6]، قال ابن منظور: (الكَريم: من صفات الله وأَسمائه، وهو الكثير الخير، الجَوادُ المُعْطِي، الذي لا يَنْفَدُ عَطاؤه، وهو الكريم المطلق. و الكَريم: الجامع لأَنواع الخير والشرَف والفَضائل . و الكَرِيم: اسم جامع لكل ما يُحْمَد، فالله عز وجل كريم حميد الفِعال ورب العرش الكريم العظيم) .
تحب العـفو): قال الخطابي: "العَـفْو: الصفح عن الذنوب وترك مجازاة المسيء. وقيل إن العَفْو مأخوذ من عفت الريح الأثر إذا درسته، فكأن العافي عن الذنب يمحوه بصفحه عنه. والله سبحانه وتعالى أعلم" .
ولكي يعلم المسلم معنى ما يقوله في دعائه، من المهم له معرفة كلمات الدعاء، وما تتشابه فيه مع غيرها وما تختلف فيه. وحين نبحر في معاني كلمة العفو، نجد لها كلمات تشبهها جاءت في بعض النصوص الشرعية، وهي (العافية) و(المعافاة)، مثل قوله _صلى الله عليه وسلم_: " سلوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية" ، وقوله _صلى الله عليه وسلم_: "سلوا الله اليقين والمعافاة، فإنه لم يؤت أحد بعد اليقين خيراً من المعافاة" ،
(تحب العفو): خبر بعد خبر، أو حال من ضمير الخبر قبله، أو جملة مستأنفة أتى بها إطناباً.
(فاعف عني)" .
مناسبة هذا الدعاء لشهر رمضان:
قد تغتر النفس؛ فتظن أنه قد أعطت لله تعالى حقه من الصوم والقيام والذكر، لكنها حين تتفكر في دعاء ليلة القدر تجد أن هذا الدعاء يحمل معنى الانكسار من عبد مليء بالعيوب والتقصير في حق ربه عز وجل، فهو يتوسل إلى ربه باسميه العفُوّ والكريم ليكون أرجى في نيل المغفرة والعفو والرحمة.
هذه هي الحال التي يريد منا الله تعالى أن نكون عليها، حيث علمها الرسول _صلى الله عليه وسلم_ لأم المؤمنين عائشة، ليس حال الممتن على الله تعالى بأعماله، أو حال المستغني عن طلب العفو والمغفرة، أو الواثق من قبول عمله، وإنما هي حال العبد الفقير الخاضع الذليل، المتوسل إلى ربه ليصفح عنه ويغفر له، ويقبل عمله على ما فيه من تقصير، قال ابن الجوزي: "وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً ولا حالاً ولا مقالاً، فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصّر" .
اللهمَّ صَلَّ عَلَى نبيِّكَ محمدٍ وعلَى آلهِ وصحْبِهِ أجمعينَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا واجْزِهِمْ عَنَّا خَيْرًا، اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ حَيًّا فَبَارِكْ فِي عُمُرِهِ وَعَمَلِهِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَيِّتًا فَارْحَمْهُ وَاعْفُ عَنْهُ....
اللَّهُمَّ لُطْفَكَ ورَحْمَتَكَ بِعِبَادِكَ المسْتضعَفِينَ في كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ سَكِّنْ لَوْعَتَهُمْ وامْسَحْ عَبْرَتَهُمْ وَوَفِّرْ أَمْنَهُمْ وابْسِطْ رِزْقَهُمْ ووَحِّدْ صَفَّهُمْ واجْعَلْ مَا قَضَيتَ عَلَيْهِمْ زِيَادَةً في الإِيمَانِ واليَقِينِ وَلا تَجْعَلْهُ فِتْنَةً لَهُمْ عَنِ الدِّينِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُو عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيانَا الَّتي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتي إِلَيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَياةَ زِيَادَةً لَنَا في كُلِّ خَيرٍ، وَالْمَوتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ...اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نُقْمَتِكَ، وَجَميعِ سَخَطِكَ... اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا، وَارْحَمْ مَوتَانَا
لا تنسوا أخيكم أو والدكم في الله تعالي
الذي أحبكم في وجوده أو شاء الموالي
وهو بين يد الله تعالي من صالح دعائكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ضع تعليقا لمجلتكم :
هل أوفينا ؟
هل لكم إقتراحا لمجلتكم ؟
ما طلبكم قبل نشر مقالكم ؟
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
الأديب والشاعر الجريح
علاء محروس مرسي